كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الضحاك، وعاصم، الجحدري: {وماوَلَتْناهم} بواو مفتوحة من غير همزة وبنصب اللام.
وقرأ ابن مسعود، وأبو المتوكل: {وما أَلَتُّهُمْ} مثل جَعلتُهم.
وقد ذكرنا هذه الكلمة في [الحجرات: 140] والمعنى: ما نَقَصْنا الآباء بما أعطَيْنا الذُّرِّيَّةَ.
{كُلُّ امريءٍ بما كسب رهينٌ} أي: مُرْتَهَن بعمله لا يؤاخذ أحدٌ بذَنْب أحد.
وقيل: هذا الكلام يختصُّ بصفة أهل النار، وذلك الكلام قد تَمَّ.
قوله تعالى: {وأَمْدَدْناهم} قال ابن عباس: هي الزيادة على الذي كان لهم.
قوله تعالى: {يَتنازعون} قال أبو عبيدة: أي: يتعاطَون ويتداولون، وأنشد الأخطل:
نازَعْتُهُ طَيِّبَ الرَّاحِ الْشَّمُولِ وقَدْ ** صَاحَ الدَّجاجُ وحانَتْ وَقْعَةُ الْسّاري

قال الزَّجَّاج: يتناول هذا الكأسَ من يد هذا، وهذا من يد هذا، فأمّا الكأس فقد شرحناها في [الصافات: 45].
قوله تعالى: {لا لَغْوٌ فيها ولا تأثيمٌ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {لا لَغْوَ فيها ولا تأثيمَ} نصبًا وقرأ الباقون: {لا لَغْوٌ فيها ولا تأثيمٌ} رفعًا منوَّنًا.
قال ابن قتيبة: أي: لا تَذهبُ بعقولهم فيَلْغُوا ويَرْفُثوا فيأثموا، كما يكون ذلك في خمر الدنيا.
وقال غيره: التأثيم: تفعيل من الإثم، يقال آثمه: إذا جعله ذا إثم: والمعنى أن تلك الكأس لا تجعلهم آثمين.
{ويطوف عليهم} للخدمة {غِلْمانٌ لهم كأنَّهم} في الحُسن والبياض {لؤلؤٌ مكنونٌ} أي: مصونٌ لمْ تَمَسَّه الأيدي.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا نبيَّ الله، هذا الخادم، فكيف المخدوم؟ فقال: «إنَّ فَضْل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».
قوله تعالى: {وأقبل بعضُهم على بعض يتساءلون} قال ابن عباس: يتذاكرون ما كانوا فيه في الدنيا من الخوف والتعب، وهو قوله: {قالوا إنّا كُنّا قَبْلُ في أهلنا} أي: في دار الدنيا {مشفقين} أي: خائفين من العذاب، {فمنَّ اللهُ علينا} بالمغفرة {ووقانا عذابَ السَّموم} أي: عذاب النار.
وقال الحسن: السَّموم من أسماء جهنم.
وقال غيره: سَموم: جهنم.
وهو ما يوجد من نَفْحها وَحرِّها، {إنّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ ندعوه} أي: نوحِّده ونُخْلِص له {إنَّه هو البَرُّ} وقرأ نافع، والكسائي: {أنَّه} بفتح الهمزة.
وفي معنى {البَرِّ} ثلاثة أقوال:
أحدها: الصادق فيما وعد، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: اللطيف، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث، العطوف على عباده المحسن إليهم الذي عَمَّ بِبِرِّه جميع خَلْقه، قاله أبو سليمان الخطابي.
قوله تعالى: {فذكِّر} أي: فَعِظ بالقرآن {فما أنت بنعمة ربِّك} أي: بإنعامه عليك بالنبوَّة {بكاهنٍ} وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب ويُخْبِر عمّا في غد من غير وحي.
والمعنى: إنما تَنْطِق بالوحي لا كما يقول فيك كفار مكة.
{أم يقولون شاعرٌ} أي: هو شاعر.
وقال أبو عبيدة: {أم} بمعنى (بل) قال الأخطل:
كَذَبتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأَيْتَ بِواسِطٍ ** غَلَسَ الْظَّلامِ مِنَّ الرَّبابِ خَيالاَ

لم يستفهم، إنما أوجب أنه رأى.
قوله تعالى: {نَتربَّصُ به رَيْبَ المَنون} فيه قولان:
أحدهما: أنه الموت، قاله ابن عباس.
والثاني: حوادث الدهر، قاله مجاهد، قال ابن قتيبة: حوادث الدهر وأوجاعه ومصائبه، و{المَنون} الدهر، قال أبو ذؤيب:
أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ ** والدَّهْرُ ليْسَ بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ

هكذا أنشدنَاه أصحابُ الأصمعيّ عنه، وكان يذهب إلى أن المَنونَ الدَّهْرُ، قال: وقوله:
والدَّهْرُ ليس بمُعْتِبٍ

يدُلُّ على ذلك، كأنه قال:
أمِنَ الدِّهْرُ ورَيْبِهِ تتَوَجَّعُ

قال الكسائيُّ: العرب تقول: لا أكلِّمك آخِرَ المَنون، أي: آخِرَ الدَّهْر.
قوله تعالى: {قُلْ تربَّصوا} أي: انتظِروا بي ذلك {فإني معكم من المتربِّصين} أي: من المُنتظِرين عذابَكم، فعُذِّبوا يومَ بدر بالسيف.
وبعض المفسرين يقول: هذا منسوخ بآية السيف، ولا يصح، إِذ لاتضَادَّ بين الآيتين.
قوله تعالى: {أمْ تأمُرُهم أحلامُهم بهذا} قال المفسرون: كانت عظماء قريش توصَف بالأحلام، وهي العُقول، فأزرى اللهُ بحُلومهم، إذ لم تُثمِر لهم معرفةَ الحق من الباطل.
وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومِك لم يؤمِنوا وقد وصفهم اللهُ تعالى بالعُقول؟! فقال: تلك عُقول كادها بارئُها، أي: لمْ يَصْحَبْها التَّوفيقُ.
وفي قوله: {أَمْ تأمُرُهم} وقوله: {أَمْ هُمْ} قولان.
أحدهما: أنهما بمعنى (بل)، قاله أبو عبيدة.
والثاني: بمعنى ألف الاستفهام، قاله الزجاج؛ قال: والمعنى: أتأمُرُهم أحلامُهم بترك القَبول ممَّن يدعوهم إلى التوحيد ويأتيهم على ذلك بالدَّلائل، أم يكفُرون طُغيانًا وقد ظهر لهم الحق؟! وقال ابن قتيبة: المعنى: أم تدُلُّهم عقولهم على هذا؟! لأن الحِلم يكون بالعقل، فكني عنه به.
قوله تعالى: {أَمْ يقولون تقوله} أي: افتَعَل القرآن من تِلقاء نَفْسه؟ والتَّقول: تكلُّف القول، ولا يستعمل إلاّ في الكذب {بّلْ} أي: ليس الأمر كما زعموا {لا يؤمِنون} بالقرآن، استكبارًا.
{فَلْيأتوا بحديثٍ مِثلِه} في نَظْمه وحُسن بيانه.
وقرأ أبو رجاء، وأبو نهيك، ومورّق العجلي، وعاصم الجحدري: {بحديثِ مِثْلِه} بغير تنوين {إن كانوا صادقِين} أن محمدًا تقوله.
قوله تعالى: {أَمْ خُلِقوا من غير شيء} فيه أربعة أقوال.
أحدها: أَمْ خُلقوا من غير ربٍّ خالق؟
والثاني: أَمْ خُلقوا من غير آباءٍ ولا أُمَّهات، فهم كالجماد لا يعقِلون؟
والثالث: أَمْ خُلقوا من غير شيء كالسماوات والأرض؟ أي: إنهم ليسوا بأشَدَّ خَلْقًا من السماوات والأرض، لأنها خُلقت من غير شيء وهم خُلقوا من آدم، وآدم من تراب.
والرابع: أَمْ خُلقوا لغير شيء؟ فتكون {مِنْ} بمعنى اللام.
والمعنى: ما خُلقوا عَبَثًا فلا يؤمَرون ولا يُنْهَون.
قوله تعالى: {أَمْ هُمُ الخالقون} فلذلك لا يأتمرون ولا ينتهون؟ لأن الخالق لا يؤمر ولا يُنهى.
قوله تعالى: {بَلْ لا يوقِنون} بالحق، وهو توحيدُ الله وقدرته على البعث.
قوله تعالى: {أَمْ عندهم خزائنُ ربِّك} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: المطر والرِّزق، قاله ابن عباس.
والثاني: النُّبوَّة، قاله عكرمة.
والثالث: عِلْم ما يكون من الغيب، ذكره الثعلبي.
وقال الزجاج: المعنى: أعندهم ما في خرائن ربِّك من العِلْم، وقيل: من الرِّزق، فهم مُعْرِضون عن ربِّهم لاستغنائهم؟!
قوله تعالى: {أَمْ هُمُ المصيطِرون} قرأ ابن كثير: {المُسيطِرونَ} بالسين.
وقال ابن عباس: المسلَّطون.
قال أبو عبيدة: {المُصيطِرون} الأرباب.
يقال: تسيطرتَ عليَّ، أي: اتَّخذتَني خَوَلًا، قال: ولم يأت في كلام العرب اسم على مُفَيْعِل إلا خمسة أسماء: مُهَيْمِن، ومُجَيْمِر، ومُسَيْطِر، ومُبَيْطِر، ومُبَيْقِر، فالمُهيْمن: الله الناظر المُحصي الذي لا يفوته شيء؛ ومُجَيْمر: جبل؛ والمُسَيْطِر: المسلَّط؛ ومُبَيْطِر: بَيْطار؛ والمُبَيْقِر: الذي يخرُج من أرض إلى أرض، يقال: بَيْقَرَ: إذا خرج من بلد إلى بلد، قال امرؤ القيس:
أَلا هَلْ أَتاهَا والحوادِثُ جَمَّةٌ ** بأنَّ امْرأَ القَيْس بنَ تَمْلِك بَيْقرأ؟

قال الزجّاج: المسيطِرون: الأرباب المسلَّطون، يقال: قد تسيطر علينا وتصيطر: بالسين والصاد، والأصل السين، وكل سين بعدها طاء، فيجوز أن تُقلب صادًا، تقول: سطر وصطر، وسطا علينا وصطا.
قال المفسرون: معنى الكلام: أم هم الأرباب فيفعلون ما شاؤوا ولا يكونون تحت أمر ولا نهى؟!
قوله تعالى: {أَمْ لهم سُلّمٌ} أي: مَرْقَىً ومصْعدٌ إلى السماء {يستمِعونَ فيه} أي: عليه الوحيَ، كقوله: {في جذوع النَّخْل} [طه: 71] فالمعنى يستمِعونَ الوحي فيعلمون أنَّ ما هُم عليه حق {فلْيأت مُستمِعُهم} إِن ادَّعى ذلك {بسُلطانٍ مُبينٍ} أي، بحُجَّة واضحة كما أتى محمد بحُجَّة على قوله.
{أمْ له البناتُ ولكم البَنونَ} هذا إنكار عليهم حين جَعلوا لله البناتِ.
{أم تسألُهم أجرًا فهم من مَغْرَمٍ مُثْقَلونَ} أي: هل سألتهم أجرًا على ما جئتَ به، فأثقلهم ذلك الذي تطلبه منهم فمنعهم عن الاسلام؟ والمَغْرمَ بمعنى الغُرْم وقد شرحناه في [براءة: 98].
قوله تعالى: {أم عندهم الغَيْبُ} هذا جواب لقولهم: {نَتربَّص به ريْبَ المَنون}؛ والمعنى: أعندهم الغيب؟ وفيه قولان.
أحدهما: أنه اللوح المحفوظ، {فهم يكتبون} ما فيه ويخبِرون الناس.
قاله ابن عباس.
والثاني: أعندهم عِلْم الغيب فيَعلمون أن محمدًا يموت قبلم {فهم يكتُبون} أي: يحكُمون فيقولون: سَنقْهَرُك.
والكتاب: الحُكم؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سأقضي بينكما بكتاب الله» أي: بحُكم الله عز وجل؛ وإلى هذا المعنى: ذهب ابن قتيبة.
قوله تعالى: {أم يُريدون كَيْدًا} وهو ما كانوا عزموا عليه في دار النَّدوة؛ وقد شرحنا ذلك في قوله: {وإذ يمكُرُ بِكَ الذين كفَروا} [الأنفال: 30] ومعنى {هُمُ المَكيدونَ} هم المَجْزِيُّون بكَيدهم، لأن ضرر ذلك عاد عليهم فقُتلوا ببدر وغيرها.
{أم لهم إلهٌ غيرُ الله} أي: ألَهُم إله يرزقهم ويحفظهم غيرُ الله؟ والمعنى أن الأصنام ليست بآلهة، لأنها لا تنفع ولا تدفع.
ثم نزَّه نَفْسه عن شرِكهم بباقي الآية.
ثم ذكر عنادهم فقال: {وإن يَرَوْا كِسْفًا من السماء ساقطًا} والمعنى: لو سقط بعضُ السماء عليهم لَمَا انتهوا عن كفرهم، ولَقالوا: هذه قِطعة من السَّحاب قدُركم بعضُه على بعض.
{فذرْهم} أي خَلِّ عنهم {حتَّى يُلاقُوا} قرأ أبو جعفر {يَلْقَوا} بفتح الياء والقاف وسكون اللام من غير ألف {يوْمَهم} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه يوم موتهم.
والثاني: يوم القيامة.
والثالث: يوم النَّفخة الأولى.
قوله تعالى: {يُصْعَقُون} قرأ عاصم، وابن عامر: {يُصْعَقُون} برفع الياء، من أصعَقَهم غيرُهم؛ والباقون بفتحها، من صعقوهم.
وفي قوله: {يُصْعقون} قولان.
أحدهما: يموتون.
والثاني: يُغشى عليهم، كقوله: {وخَرَّ موسى صعِقًا} [الأعراف: 143] وهذا يخرج على قول من قال: هو يوم القيامة، فإنهم يُغْشى عليهم من الأهوال.
وذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولا يصح، لأن معنى الآية الوعيد.
قوله تعالى: {يوْم لا يُغْني عنهم كيْدُهم شيئًا} هذا اليوم الأول؛ والمعنى: لا ينفعهم مكرهم ولا يدفع عنهم العذاب {ولا هُمْ يُنْصَرون} أي: يُمْنعون من العذاب.
قوله تعالى: {وإِنَّ لِلَّذين ظلموا} أي: أشركوا {عذابًا دون ذلك} أي: قبْل ذلك اليوم؛ وفيه أربعة أقوال.
أحدها: أنه عذاب القبر، قاله البراء، وابن عباس.
والثاني: عذاب القتل يوم بدر، وروي عن ابن عباس أيضًا، وبه قال مقاتل.
والثالث: مصائبهم في الدنيا، قاله الحسن، وابن زيد.
والرابع: عذاب الجوع، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {ولكنَّ أكثرهم لا يعْلمون} أي: لا يعلمون ما هو نازلٌ بهم.
{واصْبِر لحُكم ربِّك} أي: لما يحكُم به عليك {فإنَّك بأعيُننا} قال الزجّاج: فإنك بحيث نراك ونحفظك ونرعاك، فلا يصِلون إلى مكروهك.
وذكر المفسرون: أن معنى الصبر نُسخ بآية السيف، ولا يصح لأنه لا تضادَّ.
{وسبِّح بحمد ربِّك حين تقوم} فيه ستة أقوال.
أحدها: صلِّ لله حين تقوم من منامك، قاله ابن عباس.
والثاني: قُلْ: (سبحانك اللهمَّ وبحمدك) حين تقوم من مجلسك، قاله عطاء، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين.
والثالث: قُلْ (سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جُّدك ولا إله غيرك) حين تقوم في الصلاة، قاله الضحاك.
والرابع: سبِّح الله إذا قُمْت من نومك، قاله حسّان بن عطيّة.
والخامس: صلِّ صلاة الظُّهر إذا قُمْت من نوم القائلة، قاله زيد بن أسلم.
والسادس: اذْكُر الله بلسانك حين تقوم من فراشك إلى أن تدخُل في الصلاة، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {ومِن اللَّيل فسبِّحْه} قال مقاتل: صلِّ المغرب وصلِّ العِشاء {وإدبار النُّجوم} قرأ زيد عن يعقوب، وهارون عن أبي عمرو، والجعفي عن أبي بكر: {وأدبار النُّجوم} بفتح الهمزة؛ وقرأ الباقون بكسرها.
وقد شرحناها في [ق: 40]؛ والمعنى: صلِّ له في إدبار النجوم، أي: حين تُدْبِر، أي: تغيب بضَوء الصُّبح.
وفي هذه الصلاة قولان.
أحدهما: أنها الرَّكعتان قَبْل صلاة الفجر، رواه عليٌّ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو قول الجمهور.